arablifestyle
آخر تحديث GMT 05:20:45
لايف ستايل

الموت الذي لا يعترف بفعلته‎المزيد

الرئيسية

الموت الذي لا يعترف بفعلته‎

لايف ستايل

الموت الذي لا يعترف بفعلته‎

بقلم : أمينة التباث

كان الموتُ يقف جانِبا، يقضم أظافره و يحدّق في الساعة باستمرار، بدا متوتراً، لعلّه سببُ هذه الفعلة، أو لعله ينتظرُ شخصا ما، ربما هو شريكه في الجريمة. لكن أحدا لم يلاحظ هذا الارتباك، الجميع دخلوا الصالة و تحلقوا حول المرء الذّي يئن، ظلّوا يتساءلون عن سبب  الجرح في معصمه. قال أحدهم: جرحٌ صغير، لا داعي للخوف. أما أنا، فقد آثرت البقاء على الباب، بدا أنه غير آهل لي المشاركة في حفلة الاهتمام  الدسمة تلك. انتبهتُ للموت، في ذهوله و ريبته، لم يكن صعبا علي إدراك السر، أو لنسميها -إن أردنا أن نقرب للقارئ ما نرمي إليه- "الفعلة". الدقيقة الصحيحة هي الحقيقة، هي الوميض الذي مهما لمحناه بعيداً، إلا أنه علينا و بكل اليقين الممكن أن نستعد لوصوله. هكذا أدركت ما وراء وجه الموت المصفر، تمتمتُ في نفسي: إنه ينتظر الدقيقة الصحيحة.  إلا أن السيدة سمعتني فردّت: لا تتفوهي بمثل هذا الكلام يا ابنتي.

المرء المستلقي على  الأريكة، غيرُ مهتم، رغم أنه أكثر شخصٍ يأمن له الموت ألا يفضح "فعلته". غير مهتم، لا زال كذلك حتى بعد أن تقدم صاحبُنا و دلف وسط الجموع. توجه مباشرة نحوه و وشوش له في أذنه، قهقه المرء، حتى تكسرتْ عيناه البلوريتين، سقطتْ الشظايا في راحته فأحكم قبضته عليها، تقاطر الدم من يديه، و مع هذا لم يتوقف عن قهقهته. كنت أنظرُ إلى المشهد في بلادة، تفرستُ في وجوه الحضور، لكنّ أحدا لم يلاحظ هذا الارتباك..ّ أحدا لم يلاحظ الفعلة.

تعالت الأصوات، و ما بين ابتسامات الاطمئنان و أسئلة الاهتمام اختبأت قهقهة المرء، كأنها كائن وُلد لتوه خارج الزمن، تتضخم في طبقاتٍ مختلفة الهيئة فوق معصمه، و اذا ما ركزنا الرؤيا: تحديدا على الجرح.. الصغير و العادي.

ألا ترون أني أبدو لكم حمقاء أهذي بكلام لا معنى له. حسنا هذا ما حاولتُ فعله وقتها، الانخراط في الحفلة و تصديق جملة المرء عندما خاطبني: اقترِبي عزيزتي.. ما من داعٍ للخوف.. هذه أشياءٌ تحصل. اقتربت، و من بعيدٍ رد الموت: هذه أشياءٌ تتداعى. حينها وخزتني الحقيقة من جديد.

الموت، الذي كان واقفا قبل قليل عند الباب، لم يكن شخصا غريبا.. هو واحدٌ من الوجوه التي اعتدنا وجودها خلال يومنا دون أن نلتفت مرة لهيئتها. تتكلم معنا، تلقي نكتة كلما شعرنا بالملل، تحرّك حساء الخضار، تخبرنا كم الساعة أو تناولنا قلما لنسجل عنوان أحدهم.. كذلك يفعل الموت كل هذه المهام بمهارة، أو لنكن منصفين: يكلّف ظلّه الأحمق ليقوم بكل هذا. و نحن نتعامل مع الظل، لا نتذكر أن نقول: اه يا الهي لقد نسيتُ أن أسألك من أنت..

و الحقيقة أني كنت الشخص الذي وقعت عليه اللعنة، لينكشف لي النصف الآخر من الظل. "الخد المشوه للحياة" قلت، نطقت عينا المرء:الختم الأخير فوق إمضاء موظف أحيل على المعاش.  تفرق الحشد وقتها و شارفت الحفلة على النهاية، لفظ المريض (صاحب الجرح الصغير) قهقهته اللزجة، وضع عينيه جنب طقم الأسنان فوق الطاولة، و جلس ينظر نحو الباب. الموت الذي يسند ظهره إلى المرآة، عدّل جلسته و نفخ صدره. لقد رأيته في تلك اللحظة وحدها أكثر استعدادا و مسؤولية، بدا على أهبة قول الحقيقة. نحن الذين نأمن للموت بسهولة، نعتقد عادة أنه شفاف و حيادي إزاء ما يفعله، و عن نفسي لطالما نظرتُ له من هذه الزاوية فعاملته بما تفتضيه الرهبة و الخوف منْ كل ما هو حقيقي.. كبير.. يبلع ظلالنا الصغيرة. إلا أنه و كما لو أن هذه الحفلة أقيمت لألتقي به وجها لوجه، و أغير اعتقاداتي المسبقة. أستطيع الجزم الآن بأنه طفلٌ كبير خرج يلعب ذات أصيل، فوجد الحقيقة الوحيدة التي سقطت من يد الحياة، وجدها ملقاة على الأرض، وضعها في جيبه دون أن يدرك ماذا تكون.. و هكذا مضى القدر في التصرف وفق هذه الواقعة: الموت الجبانُ يحمل الحقيقة في جيبِ سرواله.                     

لنعد إلى حفلتنا الآن،  قالت سيدة في الجوار: أنتِ فتاةٌ سيئة، مدّي صحن الحساء للمرء. لكني عوض الاستجابة لها، وضعتُ السماعات في أذني و رفعت صوت الموسيقى متسمرة في مكاني، و المرء يئن، أشرتُ له إلى قلبي.. أدرك أني عرفت الحقيقة و رأيت ما لم يره الجميع.  لأنه في الناحية الأخرى كانت الدقيقة الصحيحة قادمة، صاحبة الدور الرئيسي في المسرحية كلّها. اقتربت، انتصب الموت، طلب المرء صحن الحساء لأنه شعر بالجوع فجأة، ضحك الجميع و في ظنهم أنه استرد عافيته.. و من بعيد توسعت حدقة الزمن، ليركز في المشهد أكثر.

(مهلا ألم تلاحظوا أني خلال كل هذا، لم أقل حرفا، حسنا لابد أن أجعل لي جملة في الحوار)

نطقت: العاصفة.

الموت(بنفس ارتباكه الأول): لننهي الأمر و حسب    
                           
الدقيقة الصحيحة: بسرعة.

نظر أبي في عيني، ابتلع جملته في هدوء " هذه أشياء تحصل، هذه أشياء تتداعى"

أمي: فتاةٌ سيئة، لم تقدمي صحن الحساء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموت الذي لا يعترف بفعلته‎ الموت الذي لا يعترف بفعلته‎



GMT 22:54 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

هل للطفل مطلق الحرية ؟

GMT 11:07 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 10:03 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

المدخل الجانبي

GMT 09:57 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

GMT 13:58 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الهولوجرام والسحر في العصر الحديث

GMT 13:47 2019 الأحد ,05 أيار / مايو

لا بريق أشدمن بريق الحب

GMT 13:50 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموت الذي لا يعترف بفعلته‎ الموت الذي لا يعترف بفعلته‎



GMT 11:16 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر
لايف ستايلالنشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:
لايف ستايلأبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 08:46 2020 السبت ,02 أيار / مايو

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع
لايف ستايلتملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 20:44 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز
لايف ستايلتتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 10:06 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة
لايف ستايلتجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 09:35 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات
لايف ستايلتنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 22:43 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك
لايف ستايلتعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 14:26 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

يزعجك أشخاص لا يفون بوعودهم
لايف ستايليزعجك أشخاص لا يفون بوعودهم

GMT 04:48 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

12 نصيحة تضمن لك تحقيق حلم الثراء وتكوين ثروة طائلة
لايف ستايل12 نصيحة تضمن لك تحقيق حلم الثراء وتكوين ثروة طائلة

GMT 06:33 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

وليد توفيق يعتبر أغنية "عاشق أنا" روحية
لايف ستايلوليد توفيق يعتبر أغنية "عاشق أنا" روحية

GMT 11:56 2023 الجمعة ,10 آذار/ مارس

أفكار لتزيين المنزل بواسطة فوانيس رمضان
لايف ستايلأفكار لتزيين المنزل بواسطة فوانيس رمضان

GMT 22:09 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير دجاج مشوي بالطماطم
لايف ستايلتعرفي على طريقة إعداد وتحضير دجاج مشوي بالطماطم

GMT 08:38 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

خنت زوجي فهل أنا على حق
لايف ستايلخنت زوجي فهل أنا على حق

GMT 19:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير آيس كريم سريع جدا
لايف ستايلتعرفي على طريقة إعداد وتحضير آيس كريم سريع جدا

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

السياحة في نيبال مفتاحك لخوض أجمل المغامرات
لايف ستايلالسياحة في نيبال مفتاحك لخوض أجمل المغامرات
 
arablifestyle

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

arablifestyle arablifestyle arablifestyle arablifestyle