رحلة دروب هبرديس الجغرافية والتاريخية

 استغرقت الكتابة عن هذه الرحلة الرائعة عبر دروب هبرديس الجغرافية والتاريخية ست سنوات. حينما شرعت مادلين بوينتانج في مشروع كتابها لم تكن تتوقع الاستفتاء الأسكتلندي، إلا أن النقاش المستقل يغذي غايتها في استخدام الجزر للوصول إلى فهم وإدراك أفضل عن بريطانيا، وفكرة الوطن. إنها تزور هبرديس كثيرًا، مستلهمة وناهلة من رحلات طفولتها للمرتفعات ومن ميراثها العائلي فضلًا عن نهلها الأدبي لصموئيل جونسون وجيمس بوزويل وجورج أورويل.

يتضح من البداية أنها أدركت الإلهام الشعري للجزر –"غادرت البقايا البركانية، قبل أن نبلغ عنها الجرف القاري، وتركت أوروبا متجهة عبر المحيط الواسع إلى الأميركتين"-وجمالها المكتئب المصاحب لتاريخ من التهميش والخسارة، تلك الجزر الحائرة بين التهجير واستخراج التصاريح. استغرق الأمر معها مدة طويلة لمعرفة هبرديس بوجهها المعاصر، وأماكنها المتاحة للإقامة.

كرّر العديد من المثقفين المحليين موضوع تفرد الجزر الغربية ومثاليتها بالإضافة إلى الكتابة عن الثقافة الغيلية. تبرز الفكرة من خلال: "وقوف فكرة غيلية هبرديس أمام كل شيء في أواخر القرن التاسع عشر، حينما كانت بريطانيا إمبراطورية حضارية صناعية وافتقرت إلى الروحية والشاعرية وإلى روح الخيال والموسيقى والشعور والحدس والبديهية والعفوية". وأحد المفارقات المعروفة عن الكتاب أن بوينتانج تستعرض العديد من الطرق، فرض تلك القيم بنفسها، فهي لم تكن سوى زائرة مسافرة من لندن وليست إحدى قاطنات الجزر، مما تسبب في البداية بعدم انسيابية شعورية، كمن يكتب عن وطن شخص آخر مثلما يكتب عن وطن ليس وطنه.

على الرغم من أنها كانت تعي تمامًا-شأنها شأن أي محرر سابق في "الغارديان" يحترم قدراته-بالمعوقات التي قد تواجهها في سبيل الكتابة عن الآخر، إلا أن ذلك لم يوقفها: أقرّت أنها كانت تتطلع إلى الفرار ورؤية الجُزُر كأرض أبدية، كما أشارت إلى أن كتابتها كانت متماسكة ومترعة بالبهجة حينما كانت تتحدّث مع زائري الجنوب-الشعراء والأرستقراطيين-ثم قاطني الجزر أنفسهم الذين كانت تحيطهم هالة من الغموض. تعلمت من أخطاء الغير وتجنبت هبوط المستوى الذي تعرّض له جونسون ورغبة لويس ماكنيس غير الموفقة في العثور على وطن أو انتماء.

كتبت بوينتانج "تعلمت أن الجزر تصر على الصبر"، فنجد أنها قد تغلبت على المشاكل المحتملة للمشروع متسلحة بالانتباه والذكاء والفطنة. قد تكون مجرد زائرة لكنها استغلت الوقت وقامت بإجراء البحث وجمع المعلومات. خاضت مغامرات، بصحبة ابنها: على متن قارب صغير في دوامات كالوم ستيوارت، وذهبت للتخييم على شواطئ تعصف بها الرياح، وزارت دير بوذا ورأت خدمة الكنيسة المجانية. وقد زارت العديدين من جزر هبرديس.

يركز مضمون الكتاب على طواف بوينتانج شرقًا وغربًا عبر سبعة جزر من جورا إلى سانت كيلدا، بينما كانت تطوف بخيالها وفكرها في المساحة الزمنية بين القرن السابع عشر والوقت الحالي، عندما نراها تناقش قضايا مثل تغيُّر المناخ وتطوير الطاقة المتجددة. تبدأ الرحلة من جزيرة مقدسة وهيلوتيل حيث التقت بوينتانج بزوجها منذ عشر سنوات، إلا أن العنصر الذاتي في هذا الصدد خافت. الأهم من ذلك هو تضمينها للمناظر الطبيعية في التاريخ السياسي والثقافي.

تصف الكاتبة كتابها بنفسها سالكة بذلك العديد من السبل قائلة: قد نرى رؤية جديدة وغريبة للسرد التاريخي إذا قمنا بسرده مكان حدوثه بدلًا من وقت حدوثه." تتراكم موضوعات متنوعة لتعطي صور عن الجزر. يتحدث الفصل الخاص بستافا عن شقوق جيولوجية، والأساطير النضالية العظيمة مثل قصائد ماكفرسون عن ملحمة أوسيان الرومانسية، وفكرة انش كينيث عن السمو، حيث قضت ميتفورد وحدة سنواتها الأخيرة.

 على جزيرة لويس أكبر جزيرة، نتحرك من النيس إلى شطرنج الفايكنغ، حتى الشاعر والروائي إيان كرايتون سميث وبشكل حاسم إلى اللغة الغيلية، "بتقاليدها العريقة في الشعر والغناء". نطرح سؤال استفزازي "ما الذي يمكن أن نفقده باختفاء الغيلية؟" وتفضي بنا الاجابة إلى استكشاف رائعة علمناها خلال مقابلات مع المؤرخين المحليين، وهي أن اللغة نفسها تعد قوة مقاومة للرأسمالية. إن مفهوم كلمة غيلياني يعني الأشخاص الذين ينتمون إلى الأرض، كما رفض سكان جزيرة لويس الفقيرة عرض العمل في مصانع تعليب الأسماك عند صاحب الجزيرة لورد لوفارهالم.

بالقدر الذي يقدم من خلاله الكتاب نظرة فكرية، إلا أن حب الوطن شعور في الكتاب. ضحت جزيرة لويس، بأعلى نسبة في بريطانيا، بأبنائها الذين عملوا وماتوا في الحرب العالمية الأولى، وعلمت بانتانج ، من خلال تاريخ عائلتها- أن الكتاب مكرّس لعمين لها قتلوا في تلك الحرب. يشير انتشار الكتاب إلى أنه يتحدث عن موضوع من الممكن يشكل إلهاما لمزيد من الدراسة. هناك نقاش عما إذا كان سكان الجزر القدامي أم الوافدين الجدد هم من سمحوا للجاليات المهاجرة بالاستمرار في الذهاب إلى هناك.

كانت الكاتبة قد خططت إنهاء الكتاب في الجزيرة المنعزلة الشهيرة سانت كيلدا، إلا أن رحلة بوانتينج سريعا رأت بأن الرحلة مكررة ومبتزلة (هناك أكثر 700 كتبوا عن الجزيرة). لذا فقد اتخذت خطوة للوراء ونظرت إلى ظاهرة سانت كيلدا الثقافية - بما في ذلك ألعاب الكمبيوتر والسياحة والدراسة الأكاديمية. هي في جزيرة فلونان، الصغيرة وغير المأهولة والتي تقع غرب لويس، حيث وجدت ضالتها ليكون لها تميزًا وتفردًا عن كل ما كتب عن رحلات الجزر من قبل. وفي النهاية سيفقد كلٌ من الكاتب والقارئ لهذا الكتاب، أنفسهم ويتوحدون في نهاية المطاف، ليس فقط مع السياسة والتاريخ وتفاصيل الطبيعة، لكنهم سيخوصون تجربة شعورية من الإعجاب والتعجب.