الطب في سورية يحتفل باليوم العالمي للصحة النفسية

فيما تستعد دول العالم للاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية غدا الاثنين يجد السوريون أنفسهم أمام معادلة تضاعف الاضطرابات النفسية جراء الظروف الراهنة مقابل تناقص عدد المختصين لنحو 3 أطباء نفسيين لكل مليون شخص وسط محاولات لتعويض النقص عبر برنامج يسمى “رأب الفجوة” ومبادرات مجتمعية وأهلية أخذت على عاتقها موضوع الدعم النفسي الاجتماعي.

وتحيي دول العالم في العاشر من تشرين الأول من كل عام اليوم العالمي للصحة النفسية لرفع الوعي بقضاياه وحشد الجهود لزيادة القدرة على وصول الأشخاص للخدمات الطبية الخاصة بها واختارت منظمة الصحة العالمية عنوان هذا العام “الإسعافات النفسية الأولية” لتحفيز أكبر عدد من الأشخاص لتقديم أي نوع من المساعدة في حالات الأزمات.

محليا تواصل وزارة الصحة تنفيذ برنامج “رأب الفجوة” بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بوصفه أكثر برامج المنظمة نجاحا على المستوى العالمي ويتضمن حسب معاون مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة “محمود العلي” تدريب أطباء عامين واختصاصيي ارشاد نفسي وكوادر تمريضية ليقدموا بدورهم خدمات دعم نفسي اجتماعي عبر المراكز الصحية ومراكز الإقامة المؤقتة والعيادات المتنقلة.

ويوضح العلي في تصريح لنشرة سانا الصحية أن البرنامج يساعد الأطباء المدربين على اكتشاف أي اضطراب نفسي أو شكوى مرضية منشؤها نفسي خلال تعاملهم مع المرضى فيقدمون بدورهم الدعم والمشورة اللازمين أو ينصحون الحالة بمراجعة اختصاصي نفسي.

ويبين العلي أن “الوزارة دربت حتى اليوم 300 طبيب على خدمات الصحة النفسية فضلا عن وجود 20 معالجا نفسيا منتشرين على المستوى الوطني يدعمون عمل الوزارة ولا سيما في ظل “نقص الاطباء النفسيين وغيابهم التام في بعض المحافظات”.

وإضافة لبرنامج “رأب الفجوة” أصدرت المديرية حسب العلي دليل المساعدة الذاتية ويهدف إلى تعريف الأشخاص بسبل تجاوز الضغوط النفسية التي تتراوح بين البسيطة والمتوسطة وهو يطبق تجريبا في محافظة دمشق.

وعن الخدمات التي يقدمها الأطباء المدربون في المراكز الصحية أوضح العلي أنها “تشمل دعما نفسيا اجتماعيا وإسعافا أوليا وعملا مع أمهات الأطفال وحماية الأطفال المعرضين للعنف والإهمال والمشردين” مبينا أنها بلغت خلال الربع الثاني من العام الجاري أكثر من 3 آلاف خدمة.

ويشمل عمل المديرية أيضا وفقا للعلي توزيع الأدوية النفسية على المشافي المتخصصة والمراكز الصحية التي تضم طبيبا أو اختصاصيا نفسيا فضلا عن تدريب جميع كوادر وزارة الصحة على الإسعاف النفسي ليكونوا قادرين على التعامل مع أي حادث أو حالة طارئة في أماكن تواجدهم.

ويكشف العلي عن خط عمل جديد للمديرية هو التعامل مع الناجين من حالات عنف قائم على النوع الاجتماعي بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان أو منظمة الصحة العالمية.

بدوره يصف رئيس رابطة الأطباء النفسيين الدكتور مازن حيدر واقع المهنة في سورية “بالسيئ” حيث تضاعفت الاضطرابات النفسية جراء الأزمة فيما عدد الاختصاصيين على المستوى الوطني لا يتجاوز 68 طبيبا ما يعني أن هناك 3 أطباء لكل مليون شخص فيما الحد العالمي طبيب لكل عشرة آلاف نسمة.

ويضيف الدكتور حيدر إنه فضلا عن نقص الأطباء فهناك توزيع غير عادل لهم بين المحافظات فدمشق وحدها تستأثر بنحو 40 طبيبا فيما هناك خمسة لكل من حلب وحمص واللاذقية وطرطوس واثنان في حماة مع وجود محافظات خالية تماما من هذا الاختصاص.

ويعزو الدكتور حيدر نقص عدد الأطباء إلى “سفر البعض إلى خارج سورية جراء ظروف الأزمة والبحث عن فرص عمل أفضل والوصمة المرتبطة بالطب النفسي عموما والتي تقلص عدد الخريجين الراغبين بدخول هذا المجال فضلا عن الصعوبة العلمية للاختصاص لارتباطه بالعلوم العصبية والنفسية”.

ويرى الدكتور حيدر أن ايجاد قانون أو تشريع يسمح بمزاولة مهنة معالج نفسي وافتتاح مراكز لهذا الغرض في سورية يخفف الأعباء على الأطباء النفسيين ويفتح نافذة جديدة لخدمات الصحة النفسية مشيرا إلى ضرورة إحداث اختصاص تمريض نفسي ضمن الكليات ومدارس التمريض.

وعن برنامج رأب الفجوة يقول رئيس الرابطة إنه “حل جيد” في ظل تحدي نقص الأطباء وهو ينفذ عبر وزارتي الصحة والتعليم العالي وجمعيات أهلية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية حيث يتم تدريب الأطباء غير الاختصاصيين على التعامل مع 10 اضطرابات نفسية رئيسية معتبرا أن البرنامج أيضا ساهم بتغير نظر المدربين تجاه الطب النفسي.

وعن المبادرات والجمعيات التي أعلنت برامج دعم نفسي واجتماعي خلال الأزمة يرى رئيس الرابطة أن الدعم النفسي بات عنوانا واسعا دخله كثيرون حيث كانت بعض البرامج جيدة وتؤدي الدور المطلوب فيما كانتبرامج أخرى غير مبنية على أسس علمية وقد تؤدي لنتائج سلبية ومؤذية حولت الدعم النفسي لمجموعة أنشطة وألعاب” داعيا القائمين على هذه المبادرات إلى تنسيق أكبر مع الرابطة لضبط موضوع الدعم علميا وضمان الفائدة منه.

وفيما يخص الأدوية النفسية يذكر الدكتور حيدر “أن العام الجاري شهد تحسنا ملحوظا بتوفرها رغم وجود بعض الانقطاعات جراء صعوبات الاستيراد وتوقف بعض الخطوط والمعامل التي تنتج الأدوية الوطنية” مشيرا إلى وجود خلط لدى الصيادلة بين الأدوية المخدرة والنفسية.

وفي سياق آخر يستغرب رئيس الرابطة عدم تشميل علاج الأمراض النفسية بالتأمين الصحي تحت مبررات أنه مزمن ويحتاج لتكاليف عالية مبينا أن عدد الأمراض التي تحتاج علاجا مزمنا قليلة جدا كما أن الكلفة مماثلة للاختصاصات الأخرى.

ويأمل رئيس الرابطة من وسائل الاعلام وصناع الدراما عدم المساهمة في “تشويه مهنة الطب النفسي وإظهار المرضى والأطباء كنماذج مضحكة أو مخيفة” معتبرا أن المجتمع اليوم يتقبل فكرة الطبيب النفسي أكثر وأن الأزمة ساهمت بذلك إيجابا.

وبالعودة لليوم العالمي تقول منظمة الصحة العالمية إن اختيار الإسعافات النفسية الأولية كعنوان لحملة هذا العام يهدف إلى التأكد من قدرة كل شخص في أوقات الأزمات على الوصول إلى مساعدة تتضمن دعما نفسيا واجتماعيا على حد سواء.