السعودية تتبنى استراتيجية شاملة لتنمية السياحة الوطنية

أحيت السعودية كنوزها ومواقعها الجاذبة من خلال الاستراتيجية الشاملة لتنمية السياحة الوطنية، وصولاً لهدف استقبال 100 مليون زيارة سنوية بحلول عام 2030k وتأتي «تيماء» السعودية واحدة من عشرات المواقع التي تنام على كنوز أثرية وتاريخية وتراثية موغلة في القدم، والتي يتم تأهيلها حالياً لتصبح ذات جذب سياحي وفق رؤية المملكة 2030. حيث اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية المتعددة، ولعل قصر «الأبلق» هو الأشهر، الذي شهد الحصن المنيع قصصاً وأحداثاً هزّت «الإباء العربي»، في تأكيد على أنّ الجزيرة العربية كانت وما زالت إلى اليوم الحصن الحصين للأمة العربية ومضرب المثل في الحزم والعزم وحفظ العهد والتضحية الغالية في سبيل حرية الإنسان.وفي شمال غربي السعودية تقع تيماء التي طالتها يد البناء والإحياء لتراث عريق موغل في القدم يحكي قصة الإرث الحضاري الذي خلّفه الأجداد، وسمي القصر أو الحصن المنيع بـ«الأبلق» وبناه عاديا والد الشاعر السموأل، نظراً لبنائه بالحجارة البيضاء والسوداء، وسكنه الشاعر السموأل، وشهد القصر فصول قصة عن الصمود والحزم أمام اختيار رهيب، ورفضاً لامتهان حرية الإنسان وقيمه والتضحية بكل غالٍ كي لا يُمكث عهد الأمانة.وجاءت فصول القصة عندما أودع الشاعر امرؤ القيس دروعه التي ورثها عن أبيه الملك المقتول، عند الشاعر السموأل صاحب الحصن المنيع الأبلق لتكون وديعة خلال رحلته إلى بلاد الروم لطلب المساعدة منهم في استعادة ملك أبيه الضائع والأخذ بالثأر من واتريه، ولما علم الحارث الغسّاني ملك الغساسنة بقصة الدروع طلب من السموأل تسليمها إليه، لكنّه رفض طلبه وهو ما يعد نكثاً لعهد الأمانة، ولم يجد الملك الغساني الذي أرسل جيشاً لهذا الغرض أمام هذا الرفض غير القبض على ابن السموأل الذي كان وقتها خارج القصر المنيع، وخيّر والده بين حياة ابنه وبين أن يخون العهد، بإعطاء الدروع إلى غير صاحبها، فاختار الخيار الصعب وهو التضحية بالابن.

ويعد الشاعر الأعشى «ميمون ابن قيس»، الذي نشأ وترعرع في قرية منفوحة بإقليم اليمامة القريبة من حجر (الرياض حالياً) أكثر شاعر تنبه إلى هذه الحادثة التي ضجّت بها الصحراء العربية، فسرد ذلك في شكل قصة شعرية متكاملة، أبرز فيها حرية الإنسان، كما وصف الأعشى في قصيدة أخرى قصر الأبلق ومنافعه والخدمات المقدمة للنزلاء، وقد يكون أحد أبرزهم.
وأجرى الأعشى أثناء تناوله قصة الدروع، حواراً بين الملك الغساني الحارث، والشاعر السموأل، أبرز فيه صمود الرجل أمام المأساة مديناً دناءة الملك الغساني وامتهانه لحُرمة القيم التي يسعى السموأل إلى الحفاظ عليها بدم ابنه أمام الاختيار الرهيب: التضحية بالابن أو التضحية بالشرف.وبدأ الشاعر صناجة العرب في رصده لهذه القصة بالتمني أن يكون كل إنسان كالسموأل الذي قرر قائد الجيش الغساني ليأخذ منه أمانة أؤتمن عليها وهي دروع أمرئ القيس، وذكر بالاسم القائد المكلف بذلك وهو الحارث ابن ظالم، مشيراً إليه باسم «حار»، مبرزاً دناءة الملك بتخييره بين قتل ابنه أو تسليمه الأمانة فيكون قد خانها.
كُن كالسموألِ، إذ سارَ الهُمامُ لهُ
في جَحْفلٍ، كسوادِ الليلِ جرّارِ
بالأبلقِ الفردِ، مِن تيماءَ منزلهُ
حصنٌ حصينٌ وجارٌ غير غدارِ
إذ سامَهُ خُطّتي خَسفٍ، فقال لهُ:
مهما تَقلهُ، فإن سامعٌ حارِ
فقالَ: ثُكلٌ وغدرٌ أنت بينهما،
فاختر، وما فيهما حظٌ لمختارِ
فشّكَ غير قليلٍ، ثم قال لهُ:
اذبح هديَكَ، إني مانعٌ جاري
وواصل الأعشى الحوار الشعري وكأنه أحد شهود العيان بإبراز رد السموأل وتأكيده بالقول لقائد الجيش الغساني: أن قتلت ولدي هناك من يخلفه، فهو الشجاع الكريم وليس الجبان الضعيف لأنه سليل بيت الغنى، وله إخوة طيبون صالحون، وقد أحسن تربيتهم، فهم مثله ليسوا سفهاء، ولا بلهاء، بل أشداء في الحروب، وأن الله سيعوضه بابن آخر من دونه.
إنَ لهُ خلفاً إن كُنتَ قاتلهُ،
وإن قتلتَ كريماً، غير عوّارِ
مالاً كثيراً وعِرضاً غير ذي دنسٍ
وإخوة مثلهُ، ليسوا بأشرارِ
جروا على أدبٍ مني، بلا نزقٍ،
ولا إذا شمّرتْ حربُ بأغمارِ
وسوفَ يُعْقبنيهِ، أن ظفرتَ بهِ،
ربٌ كريمٌ وبيضٌ ذات أطهارِ
لأسرهَن لدينا ضائعٌ مذقٌ،
وكاتماتٌ، إذا استُودعنَ أسرارِ
ويقف الأعشى في قصته الشعرية بسرد لحظة فاصلة، عندما همَ قائد الجيش الغساني بقتل ولد السموأل موجهاً كلامه لوالده وأنه سيجعل الدم يجري منه في تأكيد على أنه عازم على قتله، بل وصلت به الدناءة إلى القول: إنه في هذه اللحظة يشد رجليه ويديه ليقطع عنقه، إن لم يأت بالأمانة، لكن السموأل أنكر بشدة فلم يجد القائد إلا قطع عنق الابن أمام والده الذي كان يتألم وكأن ناراً تتأجج في صدره
فقالَ تقدمهُ، إذ قامَ يقتلهُ
أشرفْ سموألُ، فانظر للدم الجاريَ
أأقتل ابنكَ صبراً أو تجيءَ بهَا
طوعاً، فأنكرَ هذا أي إنكارِ
فشكَ أوادجهُ والصدرُ في مضضٍ
عليهِ، منطوياً كاللذعِ بالنارِ
ويختم الأعشى هذا المشهد المؤثر بالإشارة إلى أن السموأل رضي أن يُقتل ولده أمامه مختاراً المكرمة ورافضاً أن يشتري العار بها، واصفاً قوة السموأل وشدة بأسه ومضاء عزيمته المتأصلة فيه، وهو الوفي الذي لا يخون:
واختارَ أدراعَهُ أن لا يُسبَ بها،
ولم يكنْ عهدهُ فيها بِختّارِ
وقالَ: لا أشتري عاراً بكرمة،
فاختار مَكرُمة الدُنيا على العارِ
والصبرُ منهُ قديماً شيمة خلقٌ،
وزَندهُ في الوفاءِ الثاقبُ الوارِ
وفي سياق الحديث عن قصر الأبلق أطال الشاعر الأعشى وصف قصر السموأل وعدد خصائصه وتحفه وموجوداته بما يمكن أن يكون وصفاً لفندق وهو أحد نزلائه مما يؤكد أن صناجة العرب كان أحد زواره، مشيراً في قصيدته في مدح المحلق الكلابي أن مال والد السموأل عادياً لم يمنع عنه الموت، ولا شيء يمنعه حتى الحصون المنيعة كالأبلق الذي بناه، متنقلاً من موضوع التأمل بالحياة والموت إلى وصف الحصن والبذخ الذي فيه ببنائه المستطيل وعُلوه الشاهق وحجارته الكبيرة ذات اللون الأبيض والأسود:
ولاعادياً لم يمنعُ الموتَ مالهُ،
ووردٌ بتيماءَ اليهودي أبلقُ
بناهُ سليمانُ ابن داود حِقبة
لهُ أزجٌ عالٍ وطي موثّقُ
ويتابع الشاعر الأعشى وصف الحصن الشامخ حتى السماء وقد فُرشت أرضه بالبلاط، وأحاطت به الأسوار المبنية من الحجارة، وفي أعلاه غرف للشرب فُرشت بالسجاد الناعم، ونُثر فيها المسك والريحان، وتُقدم فيها الخمر، ويضم هذا القصر جواري جوراً كالدُماء، وينتشر فيه الخدم والطباخون، وصُفت فيه أواني الطعام وبعضها صنع من الفضة:
يوازي كبيداءَ السماءِ ودونهُ
بلاطٌ وداراة وكلسٌ وخَندقُ
لَهُ دَرمكٌ في رأسهِ، ومشاربٌ،
ومسكٌ وريحانٌ وراحٌ تُصفقُ
وَحورٌ كأمثالِ الدُمى، ومناصفٌ
وقِدرٌ وطبّاخٌ، وصاعُ وديسقُ
ويختتم الأعشى هذا الوصف بالرجوع إلى موضوع التأمل في حال البشر أمام الموت، بالتأكيد على أنّ الحصن بما فيه من بذخ وجواري وخدم وذهب وعطر، لم يمنع من أن تنال يد الموت صاحبها، المتنعم بها:
فذاكَ ولَم يُعجزْ من المَوتِ ربَهُ،
ولَكن أتاهُ الموتُ لا يتأبَقُ

قد يهمك ايضا:

اكتشف معالم الطبيعة في "تبوك" السعودية واحظى بعطلة رائعة

تعرف على أهم محافظات "عسير" السعودية مع انطلاق احتفالات صيف 2020