مهرجان القاهرة السينمائي

تبقى السينما هي السلاح الأهم للوقوف على لا إنسانية الافكار الظلامية والظلاميين، تكشف زيفهم وخداعهم، وسطوتهم تحت رداء الدين، ويعرض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فيلمًا مهمًّا بعنوان «ويبتلع كابول» للمخرجتين زابو بيريتمان إيليا جوبي ميفيليك، التي عملت كمصممة فى Lastman ورسامة في فيلم النبي، حيث تغوصان في كابول طالبان التي تقهر حياة الجميع ويحققان عبر عملهما بالرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد بألوانها المدهشة رؤية جميلة لرواية ياسمينة خضرا وتكييف خيالها الأدبي الأنيق عن الحياة الخاضعة لسيطرة طالبان في العاصمة الأفغانية.

العمل تدور أحداثه في كابول، عاصمة أفغانستان، في أواخر التسعينيات، حيث أغرق عهد طالبان المجتمع المحلّي في ظل الظلامية، تحت الحكم الصارم للشريعة والمتعصبين المسلحين. تم تدمير الجامعة، والموسيقى محظورة، وتجري أعمال الرجم في منتصف الشارع لسيدات، والإعدام العلنيّ للرجال في ملعب لمباريات كرة القدم المفتوحة في الاستاد الوطني، والحضور يشاهدون المشهد إجباريًّا في المدرجات، ونشاهد كيف استولى الخوف على وعي المواطنين وحياتهم اليومية، ولكل النساء اللواتي أجبرن على مرافقتهن للسير في شوارع المدينة وإدانتهن بالبقاء مختبئات تحت الحجاب والبرقع التقليدي على مستوى العين، تلك الحياة كانت مرادفة للعدم، وقد اتخذت هيمنة الذكور أبعادًا ساحقةً باسم الدين (وباسم السيطرة الجماعية).

إنها في قلب هذه الفترة المظلمة للغاية، اختارت ياسمينة خضرا أن تغمر نفسها في روايتها الرائعة الأكثر مبيعَا The Swallows of Kabul (نشرت في عام 2002) عن الحياة الخاضعة لسيطرة طالبان في العاصمة الأفغانية، وأبرز العمل فعلًا إنسانيًّا خطيرًا في وقت قاتم وعنيف من خلال قصص اثنين من الأزواج اللذين يتشابك مصيرهما من خلال الموت والسجن والتضحيات الذاتية الرائعة، فنحن أمام ثنائيين مختلفين:
- الجانب المحافظ: عتيق وزوجته مسرات متزوجان منذ 20 عاما ومحافظان على تقاليد الحياة الأفغانية، يعمل عتيق كحارس في سجن للنساء بينما مسرات مريضة وتحاول جاهدة بأن تبقى قوية حتى النهاية.
-الجانب الحديث: (الشباب والحب) زوناريا ومحسن يقفان ضد كل التقاليد الموجودة في ظل حكم طالبان، فقد الاثنان وظائفهما كمحامية ومعلم في الجامعة ويعانيان من صعوبة في تلبية حاجياتهما، اضطرتهما إلى بيع ممتلكاتهما من أجل لقمة العيش، إلا أنهما عازمان على الحفاظ على قيمهما الحديثة.

ذات يوم .. رجم، إهانة، ثم قتال … تأخذ الحياة منعطفًا بسبب غلطة محسن لتتشابك فيه حياة هؤلاء الأزواج المتعارضة تمامًا، وهو السرد الدى يوفر الحبكة الأساسية للفيلم، وإن كان تكثيفه في 81 دقيقة غير كافٍ للسياق الدراميّ للشخصيات وأحداثها المفعمة، وإن كان قد نجح في طرح سياقه بشكل كبير وشاعري.

وأجمل ما في الفيلم، هو التمسك بالأمل ومحاولة التصدي لإرهاب تلك الجماعة التي تحاول السيطرة حتى على أحلام الناس، حيث نجد الزوجة العاشقة لزوجها تلقى في السجن بعد موت زوجها، وتقوم زوجة الحارس التي تقطن بزنزانة مجاورة بارتداء ملابسها بدلًا منها عندما تعرف بأن طالبان يريد قتلها، ويتم بالفعل قتل زوجة الحارس العجوز، وتنقذ الأخرى، وتصبح التضحية هي الثمن الذى يتم دفعه من أجل الحب، وعندما يكتشف الأمر، يقوم الحارس في مشهد إنساني رائع بتهريب الشابة ودموع التحدي تملأ عينيه، وتذهب الشابة إلى عالم التاريخ والفن الذى كان زوجها ينوي الرحيل إليه، ويفتح العالم بابه لها.
قيمة الفيلم تكمن في إرادة تحدي الموت على يدى الظلاميين، وفى تلك الروح وذلك الإصرار على البقاء، وكانت الرسوم المتحركة نابضة بحياة شخوصها وكأنها من لحم ودم.

قد يهمك ايضاً:

أحمد داوود يستعيد ذكريات أول مشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي بـ"قناع العندليب" 

سبب غياب ياسمين صبري عن مهرجان القاهرة السينمائي