السينما العراقية

أنتجت السينما العراقية خلال سنوات عمرها زهاء 100 فيلم عُرض منها 99 فيلمًا ومُنع عرض فيلمين لأسباب غير معروفة، بعضهم يعلل المنع لأسباب فنية والبعض الآخر لأسباب سياسية في حين يؤكد البعض أن الفيلمين منعهما رئيس النظام السابق لعدم إعجابه بهما.

الفيلمان هما (العد التنازلي) سيناريو وإخراج محمد شكري جميل بكلفة ما يقارب المائة مليون دينار عراقي شطب عليهم صدام حسين بجرّة قلم.

والآخر بعنوان "حفر الباطن" سيناريو وإخراج عبدالسلام الأعظمي بتكلفة 93 مليون دينار وهو أيضا منع في آخر لحظة بعد الإعلان عنه في التلفزيون.

وشهد العراق العديد من دور السينما خلال القرن العشرين، وازدهرت هذه السينما بشكل كبير، حتى باتت جزءًا من تفصيلات الحياة اليومية، إذ كانت انطلاقتها في العام 1909، حيث تم عرض أول فيلم في البلاد، قبل أن تثير الشاشة اهتمام التجار الذين أخذوا يدخلون أدوات السينما واحدة تلو الأخرى.

كما شهد تاريخ السينما في العراق عددًا كبيرًا من دور السينما، من بينها (رويال، وسينما الوطني، وسينما اولمبيا) قبل أن تنتشر هذه الدور في المحافظات الأخرى، ويكثر عددها في البلاد، وصولًا إلى 86 دار عرض عام في ثمانينات القرن الماضي. وتحوّلت اغلب دور السينما التي كانت تضج بالناس في السابق، إلى أماكن غير صالحة للدخول، وأُغلق الكثير منها، مثل سينما غرناطة في الباب الشرقي وسط بغداد، على الرغم من وجود الصنعة في البلاد ولو بشكل بسيط.
 
أفلام الحرفة
من الافلام المهمة الأخرى في تاريخ السينما العراقية فيلم "بيوت في ذلك الزقاق" سيناريو وإخراج قاسم حول العام 1977 وهو فيلم رصين كحرفة وفن وهو الفيلم الوحيد الذي غادر العراق إلى أوروبا. كذلك الحال مع فيلم "يوم آخر" إخراج صاحب حداد وهو من أجمل الأفلام العراقية يدين فيه الإقطاع وجذوره، وفي هذا الفيلم قدّم حداد صنعة وتقنية عالية المستوى مستفيدا من تجربته الثرية في لبنان وعمله لمدة مع المخرج العربي الكبير يوسف شاهين.

أما أشهر فيلم عراقي حاز على جوائز رفيعة فهو فيلم "الأسوار" لمحمد شكري جميل الحائز على ذهبية مهرجان دمشق الدولي العام 1979 وهو من الأفلام جيدة المستوى والتقنية. وفي العام الماضي حصد الفيلم العراقي "شعب بلا وطن" جائزة "أفضل فيلم قصير" في مهرجان "مزنة" للفيلم العربي الذي تحتضنه ولاية مينيسوتا الأميركية خلال النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي ، والذي تكمن أهميته في أنه يعرض كل النتاجات المهمة في العالم العربي، وعلى خشبة واحد من أهم مسارح أميركا وطوال ثلاثة أيام.
وشارك في هذه الدورة العديد من أفلام العالم العربي، والتي تجاوزت أكثر من 80 فيلمًا بين روائي ووثائقي وقصير وطويل. ونافس فيلم "شعب بلا وطن" مع أفضل الأفلام العربية التي حصدت جوائز عالمية في مهرجانات سابقة، وانتزع منها الجائزة الأولى باعتراف النقاد والمحكمين.

كما عمل مخرج الفيلم، وارث كويش من مواليد 1992 في بغداد، في السينما من خلال انضمامه إلى "المركز العراقي للفيلم المستقل"، وأخرج فيلمين قصيرين، "كانوا يومًا هنا" و"شعب بلا وطن". ويعمل الآن على فيلم وثائقي طويل أسماه "بغداد ديسكو". كذلك سبق للمركز العراقي للفيلم المستقل وأن أصدر بيانًا أوضح فيه أسباب ترشيح فيلم وارث كويش للمسابقات، قائلًا إنه "جاء بعد العرض المحلي الكبير الأول لأفلام الورشة في بغداد على قاعة المسرح الوطني بحضور عدد كبير من الجمهور العراقي الذي تفاعل وأبدى استحسانه"، لافتًا إلى أن "الفيلم المختار للمشاركة في المهرجان يحكي قصة طفل سوري فقد والديه بعد لجوئهم إلى العراق بسبب الأحداث في سورية، فيقوم المخرج برحلة بحث حقيقية عن عائلته في مخيمات اللاجئين في كردستان العراق".

وفيلم "شعب بلا وطن" من إنتاج المخرج العراقي، محمد الدراجي، بشراكة من هيومن فيلم، والمركز العراقي للفيلم المستقل، ومشاركة دولية في دعمه، ففضلًا عن العراق هناك مجموعة من الدول مثل بريطانيا، أميركا، وهولندا. ويقول المخرج أيمن الشطري "توجد أفلام عراقية لايعرفها الجمهور ولا توجد سينما في العراق، حيث أن جمهور السينما محدود جدًا ولاتوجد ثقافة سينمائية في العراق كمثل البلدان العربية الأخرى"، مضيفًا أن "المحاولات من قبل الشباب السينمائي بعد 2003 غزت المحافل الدولية العربية والعالمية وحصلت على العديد من الجوائز واستمرت وتطورت ونجحت لكن لم تلق صدىً في العراق".

ويرجع الشطري الأسباب إلى "الأوضاع العامة، والفساد، وعدم وجود شركات ومؤسسات تتبنى صناعة السينما، وبناء دور عرض للسينما أو ومساهمة في المهرجانات وتطويرها"، بالإضافة إلى "عدم وجود ثقافة سينمائية، وهناك أيضًا التقصير من الجمهور لعدم متابعته لإنجازات السينما المستقلة في العراق". ويتابع: "نحتاج للترويج والتخطيط والصناعة والبناء، وللثقافة أيضًا، فالسينما الآن هي هوية المجتمع التي تعبر عن ثقافة البلدان".

وساهم الشطري بصناعة العديد من الأفلام، كما قام بإخراج فيلمه الخاص (الساعة الخامسة) منتصف العام الجاري، والذي أخذت شركة MAD Solutions المصرية مهمة توزيعه عالميًا، بعد مشاركته في مهرجان خاص بالأفلام في دبي. ولعب المسرح العراقي دورًا كبيرًا في ظل اختفاء السينما، برغم التوجه الكبر نحو "المسرح الشعبي"، المتهم بالتسطيح في اغلب الأحيان، بنسخته العراقية على الأقل، حتى صار بعض المسارح صالة لعرض الأفلام السينمائية.

فعلى قاعة المسرح الوطني، عرض فيلم "محمد رسول الله" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي، مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وسط حضور ملفت ساهم بصنع الحدث في الليل البغدادي، وأعاد اليه شيئًا من بريقه. ويقول وائل سوادي(28 عاماً)، وهو أحد الذين حضروا العرض أن التجربة هي الأولى من نوعها بالنسبة له، لكنها كانت كافية لأن تجعله يفكر بقيمة السينما، وأهمية وجودها في الحياة اليومية على عدة جوانب ترفيهية واجتماعية وحتى ثقافية.

ويضيف سوادي أن "الحضور كان لافتًا وغير متوقع، وقد ميّزه حضور العائلات إلى المسرح لمشاهدة الفيلم، ما اعطى انطباعًا جميلًا عن المدينة التي تعيش بخطر دائم تمثله التهديدات الإرهابية"، مشيرًا إلى "ضرورة تكرار تجربة وجود السينما في العراق، خصوصًا وأن الكثير من الدور لا زالت قائمة، ولا تحتاج سوى إلى الترميم والتعديل". ويضيف، أن "تجربة مشاهدة فيلم ما مع هذا العدد الكبير من الناس هي تجربة مثيرة للاهتمام، لكن أجيالًا عديدة عاشت حياتها دون أن تخوضها، بسبب الأوضاع الأمنية أو فكرة دخول السينما، أو حتى لاسباب اجتماعية".
 
وعلى الرغم من كون المسرح والسينما قد انفصلًا بشكل كامل في العديد من البلدان، الا أن مراقبين أشادوا بالبدء من عرض الأفلام في المسارح كخطوة أولية لإعادة افتتاح دور السينما، عادين إياها خطوة نحو إعادة السينما العراقية إلى المشهد، بعد سنوات من الفتور.

ويُلاحظ أن السينما العراقية بدأ إنتاجها وعرض أفلامها في العام 1946 من قبل القطاع الخاص الذي أنتج أفلاما أكثر مما أنتج القطاع العام أو قطاع الدولة, فالقطاع الخاص أنتج 48 فيلما من أفلام السينما العراقية الــ99 في حين أنتجت دائرة السينما والمسرح 41 فيلما, كما يشير إلى ذلك الناقد السينمائي مهدي عباس في كراسته (دليل السينما العراقية) كما انتجت شركة بابل ثمانية افلام وهي شركة مختلطة بين الدولة والقطاع الخاص إلى جانب فيلمين أنتجتهما دائرة التوجيه السياسي في وزارة الدفاع.
 
فضلا عن ذلك هناك أفلام أخرى لم تدخل في حساب الــ99 فيلما أنتجها التلفزيون مثل أفلام (اللوحة والارقط والبندول وتحت سماء واحدة).

وتضمنت الأفلام العراقية نتاجات مشتركة مع أقطار عربية مثل مصر ولبنان سواء في وجود مخرج عربي أو ممثلين كما هو الحال مع أول أفلام السينما العراقية (ابن الشرق) المنتج في العام 1946 الذي يؤرخ له البعض على أن يوم عرضه في20 تشرين الثاني 1946 هو عيد السينما العراقية من كل عام برغم أن الفيلم ليس عراقيا بالكامل لوجود العديد من الفنانين العرب منهم المخرج وكاتب السيناريو المصري إبراهيم حلمي ومدير التصوير وحيد فريد من مصر أيضا والموسيقى لعبدالحليم نويرة أما إنتاجه فقد كان للفنان العراقي الذي كان يدرس الطب في مصر عادل عبدالوهاب والذي مثل بطولة الفيلم إلى جانب مديحة يسري وبشارة واكيم ونورهان اللبنانية.
 
*نص السينما العراقية
أسهم الأدب في تنفيذ العديد من الأفلام السينمائية إذ تحولت عدة قصص وروايات إلى أفلام منها رواية "خمسة أصوات" لغائب طعمة فرمان التي أصبحت فيلم "المنعطف" العام 1975 بطولة يوسف العاني وطعمة التميمي ورواية "العطش" وصارت فيلم "الظامئون" لعبدالرزاق المطلبي عام 1972 ورواية "النهر والرماد" لتكون فيلم "النهر والرماد" العام 1978 لمحمد شاكر السبع و"القمر والأسوار" لعبدالرحمن الربيعي لتصبح "الأسوار" العام 1979.

ومن أبرز أفلام السينما العراقية فيلم "سعيد أفندي" إذ أنه يمتلك كل مواصفات الجودة والصناعة السينمائية من سيناريو وحوار وإخراج وتمثيل وإنتاج عرض الفيلم يوم 10 شباط/فبراير 1958 في سينما ميامي أخرجه وعمل مونتاج كاميران حسني وسيناريو وحوار وبطولة الفنان القدير يوسف العاني عن قصة "شجار" لأدمون صبري، وشارك في التمثيل مع العاني كل من الفنانين الكبار جعفر السعدي ويعقوب الامين والراحلة زينب والراحل عبدالواحد طه. والفيلم كان مفاجأة للجمهور العراقي والعربي لأنه كان اجرأ فيلم نقدي لواقع الحال العراقية في الخمسينات وحقّق نجاحا كبيرا أثناء عرضه رغم أن معظم أبطاله ومخرجه لم يكونوا في العراق عند عرضه لأسباب سياسية.
 
*السينما والطرب
كما شهدت السينما العراقية مشاركة بعض المطربين العراقيين تقليدا لما كانت تقدمه السينما المصرية واللبنانية، ومن أبرز مطربينا في السينما الفنان الرائع رضا علي بطل فيلم "ارحموني" الذي عرض في آذار/مارس 1985 وشاركته البطولة المطربة هيفاء حسين التي سبق أن شاركت العام 1957 في فيلم "وردة" والمطربة عفيفة إسكندر التي أسهمت في فيلمين هما (ليلى في العراق والقاهرة بغداد) كما أسهمت في فيلم "يوم سعيد" مع محمد عبدالوهاب كذلك مثّل المطرب سعيد العجلاوي في فيلم "القرار الأخير" والمطربة أحلام وهبي في فيلمي "بصرة ساعة 11" في العام 1963 "وليالي عذا" في العام 1965 والفنان فاروق هلال في فيلم "مع الفجر" العام 1964 وفيلم "درب الحب" العام 1966.