صابرين الحسيني

كسرت صابرين الحسيني الفتاة التي تنحدر من الناصرية التقاليد السائدة في مجتمعها الذي يتميز بالطابع العشائري المحافظ٬ وذلك بعد إصرارها على افتتاح مقهى عائلي وسط المدينة٬ في خطوة تُعد الأولى من نوعها في معظم محافظات جنوب العراق. المقهى الذي أطلقت عليه الحسيني وشريكها أحمد الخطيب اسم "كوفي شوب مزاج العائلي"، يحتوي على مكتبة تضم كتب ثقافية وفلسفية وغيرها من العلوم٬ ولا يسمح المقهى للشباب الدخول إلى المقهى أو أي شخص بمفرده، مشترطة دخول العائلات فقط٬ أو شخصين مختلفين بالجنس٬ أو مجموعة نساء.

وتقول الحسيني إن "العائلات في محافظة ذي قار تتوافد بشكل إيجابي إلى المقهى٬ ويستمتعون بالجلوس والحديث مع أقاربهم٬ وهم في ازدياد مستمر٬ ويشدون من عزيمتنا للإرتقاء بالمشروع وتطويره". وتشير الحسيني٬ إلى أنه "تطلب باستمرار من زبائنها آراءهم في المقهى٬ وتستمع لملاحظاتهم وأفكارهم لتطوير المشروع". المقهى يدرس منح عضوية للعائلات التي ترتاده بإستمرار٬ وتمنح لكل عائلة بطاقة دخول تتميز بتخفيض الأسعار٬ ودخول غيرهم من أفراد العائلة بهذه البطاقة التي تحمل اسم رب الأسرة. وتابعت الحسيني أن "شروط الدخول تكون للعائلات أو شخصين فقط٬ ولا يوجد مكان مغلق في المقهى. فالقاعة مفتوحة ومجهزة بكاميرات مراقبة وتقنيات حديثة. المكان خال من الخصوصية٬ وما نقصد به هو حفظ اسم المكان والارتقاء به ومنع أي نظرة سلبية بشأنه".

وعن حدوث الظواهر السلبية في المقهى٬ أكدت الحسيني٬" لم يحدث أي شيء من هذا القبيل سوى مرة واحدة٬ وتم معالجة الموضوع من قبل الكادر العامل الذي وصفته بـ"الواعي والمثقف"٬ ويمتلك خبرة كبيرة في إدارة المقاهي. المقهى محترم ولن يسمح بحدوث أية ظاهرة سلبية". ولفتت الحسيني إلى "الحكومة المحلية والقوات الأمنية تتعاون بشكل إيجابي معها٬ خصوصا أفراد جهاز الأمن الوطني والشرطة السياحية"٬ مؤكدة أن "المكان مفتوح للجميع برغم من أن إعلاننا عنه كان ضعيًفا٬ لكن العائلات تأتي بإستمرار من أجل قضاء وقت ممتع بعيدا عن الروتين المنزلي".

وأوضحت٬ أن "المقهى مخصص لجميع العائلات٬ وأغلب العائلات تصطحب معها صديق مقرب أو زميل٬ لأن المكان مؤمن٬ وفي المستقبل القريب سوف نزوِّد المقهى بألعاب للأطفال التي ترافق العوائل". وتضيف عن مشروعها "ترددت في بداية الأمر بسبب ظروف المدينة غير المشجعة، لكني سرعان ما تلمست تفهما ودعما من عائلتي، بخاصة من والدي الذي شجعني كثيرا على عكس والدتي التي بقيت متحفظة، فضلا عن دعم الاصدقاء، وانا أتفهم تماما تحفظ البعض على هذا المشروع لأن المدينة لم تشهد طوال تاريخها خطوة مماثلة".

صابرين التي وجدت في شريكها الطموح أحمد الخطيب العون والدعم المطلوب تفكر اليوم جديا بتطوير مشروع المقهى ليكون اقرب إلى النادي الاجتماعي الذي يوفر عضوية للراغبين بالاستفادة من خدماته الأخرى، فهي تسعى حاليا لافتتاح صالة عرض سينمائي تلحق بصالة المقهى الرئيسية وتقدم أفلاما عالمية تناسب ذوق العائلة، وبواقع عرضين في الشهر مقابل أجر رمزي، كما تستخدم قاعة المقهى في عقد الندوات أو ورش العمل التي تقيمها منظمات المجتمع المدني. من جانبه قال شريك الحسيني في المقهى، أحمد الخطيب أن "فكرة المشروع انطلقت لنجعل لعائلات ذي قار متنفس عائلي له خصوصيته٬ وهو مكان مغلق بعيدا عن المتنزهات العامة ومدن الألعاب الصاخبة. المكان هادئ إلى أبعد درجة٬ والمكتبة جعلت أغلب مرتادي المقهى يقرأون ويشربون القهوة".

وأضاف الخطيب٬" توصلنا إلى الفكرة ولم تواجهنا اي صعوبات٬ وكانت كل الأمور تجرى بسهولة٬ وتلافينا كل المشاكل التي واجهت المشروع٬ أنجز خلال فترة قياسية وهي 20 يوما". وتابع الخطيب "المشروع لاقى استحسان المواطنين٬ كونه يحتوي على مكتبة تضم العديد من الكتب بمختلف المجالات٬ ولدينا فكرة لإقامة نشاطات ثقافية داخل المقهى في المستقبل".

وأشار إلى أن "العائلات تتوافد باستمرار إلى المقهى٬ وتقيم حفلات أعياد الميلاد٬ أو النجاح٬ وغيرها من المناسبات العائلية الخاصة". المقهى يحتوي على مكتبة تضم مجموعة من الكتب الادبية والفكرية المتاحة لرواده بشكل مجاني وتجري فيه بادرة ثقافية سميت"نادي القراءة" إذ يختار احد الزبائن كتابا معينا لقراءته ثم مناقشة محتواه من قبل المجموعة بعد مرور نحو اسبوعين. أعضاء نادي الكتاب اختاروا في جولتهم الأولى رواية (عزازيل) للكاتب يوسف زيدان وتمت مناقشتها ثم جرى اختيار (ملحمة كلكامش) بعدها، وهناك مقترحات قراءة أخرى من بينها مناقشة اعمال البعض من أدباء ذي قار".

ويوفر المقهى حجوزات مسبقة لزبائنه ومعظمهم من النساء في مناسبات الزواج والخطوبة واعياد الميلاد، بالإضافة إلى الاحتفال بأعياد رأس السنة وعيد الحب. وأقام المقهى حفلا خاصا بعيد الحب في شهر شباط/فبراير الماضي حضرته عشرات العائلات إلى الدرجة التي اعتذرت فيها إدارة المقهى عن استقبال ضيوف آخرين. وشاركت صاحبة المقهى التي لها رصيد من الاعمال المسرحية في فرقة مسرح المقهورين، بالأداء التمثيلي في عرض مسرحي عنوانه "فالنتاين" جرى عرضه في المقهى بمناسبة عيد الحب.

وبحسب القائمين على إدارته فإن اغلب رواد المقهى هم من الموظفين بشكل عام ومن مختلف الأعمار مع الإقبال الملحوظ للشباب من كلا الجنسين فضلا عن كبار السن الذين يأتون لقضاء وقت هادئ بعيدا عن اجواء المنزل وروتين الحياة اليومية. حيدر العبودي موظف في عقده الرابع يحضر للمقهى برفقة زوجته الموظفة أيضا نهاية كل أسبوع بعد أن يطمئن على بقاء أبنائه عند أقربائه. ويقول "في نهاية كل أسبوع تقريبا اعتدنا على الذهاب إلى مكان ترفيهي، لكننا وجدنا ضالتنا في مقهى مزاج ليس فقط بسبب ندرة الأماكن المماثلة، وإنما بسبب هدوء المكان والخصوصية التي ينعم بها رواده وانعدام الإزعاج تماما". ولا يمانع العبودي في أن تحظى زوجته بوقت هادئ في زيارتها للمقهى برفقة صديقاتها في العمل في حال انشغاله. في حين تقول الزوجة: إنها مسرورة لوجود أماكن خاصة بالعائلة في الناصرية التي تفتقد إلى المرافق الترفيهية المناسبة".

علي الياسري رجل آخر يرتاد مقهى مزاج يقول "أخبرتني زوجتي عن المكان بعدما عرفته من خلال صفحتها على الفيسبوك واعتدنا على زيارته مرات عدة لاننا نشعر فيه بنوع من الحرية والاطمئنان".

ويشير إلى أن بعض المتقولين المتطرفين على هذه المبادرة في مواقع التواصل لا يريدون للمرأة أن تكون حاضرة في المجال الاجتماعي العام، او أن يكون دورها مساويا للرجل.
ورغم مراعاة المقهى لخصوصية رواده الا انه يسعى لتلافي اية تجاوزات يمكن أن تحدث، سواء من خلال تصميم القاعة المفتوحة او باعتماده نظام كاميرات مراقبة ولم يسجل المقهى الذي تقع مسؤولية حمايته على قوى الامن السياحي اية حوادث.

وتقول الناشطة المدنية ومسؤولة مركز تمكين للمشاركة والمساواة  علياء عبد الكاظم أن "خطوة المقهى هي خطوة ايجابية تعزز روح الثقة لدى المرأة وتفتح افقا للتواصل الاجتماعي بين الافراد. لذا على المنظمات المدنية دعم هذه المشاريع الصغيرة مثلما على الاطراف المتنفذة بالمحافظة تفهم الروح الايجابية في هذه المبادرات التي تسعى لإعادة الحياة في الواقع العراقي".

اما الباحث الاجتماعي عبد الرزاق علي يرى أن واقع التهميش والغبن والتمييز بحق المرأة التي لها النصيب الاوفر في هذه التداعيات يمكن أن يواجه بمصدات تمثل مبادرات فردية يمكن أن تتطور إلى ظاهرة مدنية اوسع.

ويقول "في عراق متعثر يرفع شعارات حقوق الانسان والديمقراطية والحريات فإن هذه المبادرات ستكون لها ثمار مهمة على الصعيد الراهن والمستقبلي في حال اتجه القائمون عليها  إلى تحويلها إلى اكثر من مجرد مقهى فيمكن أن تكون ملتقى ثقافي ينظم الفعاليات الثقافية والفنية بما لها من فوائد لدعم الحياة المدنية في واحدة من أعرق مدن العراق في انتاج النخب والشخصيات الثقافية والفكرية.