الملائكة الطبيبة أسمهان علي

 تمكَّنت المرأة في محافظة تعز وسط اليمن رغم واقع الثقافة الاجتماعية السائدة خصوصا في مناطق شمال اليمن المقيدة لحق المرأة في العمل والتعليم ناهيك عن النشاط السياسي والحقوقي - من انتزاع جزء كبير من حقوقها في الحصول على حقها في الدراسة والوظيفة والانخراط في النشاط السياسي والتطوعي والحقوقي وغيرها من مختلف المجالات التي تشهدها المحافظة التي توِّجت عام 2013 عاصمة للثقافة اليمنية لما تتمتع به من انتشار للتعليم والوعي والمدنيَّة بين سكانها.

 وتحتضن المدينة الكثير من الأمثلة لنساء مثلن تجربة مشرفة لما يمكن أن تصله المرأة التعزية واليمنية بشكل عام من مرتبة محليا وعربيا وحتى دوليا، ومن هذه الأمثلة توكل كرمان (صاحبة نوبل) التي حازت عام 2011 جائزة نوبل للسلام كأول شخصية يمنية تفوز بمثل هذه الجائزة الدولية. ومنذ اندلاع الصراع المسلح في اليمن أثناء آذار/ مارس العام الماضي صنفت محافطة تعز ذات الـ 3 مليون نسمة على أنها من أكثر المحافظات تضررا وتأثرا بالحرب التي لا تزال دائرة حتى هذه اللحظة في شوارعها، مخلفة دمارا هائلا دفع بالحكومة الشرعية إلى إعلانها محافظة منكوبة، خصوصا بعد أن وصلت أعداد القتلى والجرحى والنازحين إلى أرقاما قياسية، في ما وصفها مراقبون بأنها الضحية الأكبر الصراع. وكما هم الرجال وقود هذه الحرب ، كانت النساء حاضرات بقوة فيها إما ضحايا نيرانها التي لا تميز بين رجل وامرأة ، أو مقاتلات مدافعات عن مدينتهن في بعض الأوقات ، وملائكة رحمة في أوقات أخرى يعالجن ويطببن جراحات ضحايا الصراع.

من بين تلك الملائكة الطبيبة أسمهان علي التي وجدت نفسها مجبرة على تلبية نداء الواجب الإنساني في علاج الجرحى رغم الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع  الصحي في المدينة، وتقول أسمهان وهي أيضا رئيسة قسم المختبرات في مستشفى الثورة في تعز، إن الكادر الطبي في المستشفى يعمل في أصعب الظروف في ظل توقف عدد كبير من المستشفيات، ومنها تحمل عبء نقص الكادر بعد نزوح عدد كبير من الكادر مع أسرهم بسبب الحرب، إضافة إلى عبء تضاعف الحالات التي تصل إلى المستشفى لاسيما في الحرب وتوقف عدد كبير من المستشفيات جراء نقص المحاليل والمستلزمات الأساسية لعملها بفعل الحصار الذي فرضه الحوثيون على المدينة ومنعهم الفرق الإغاثية والمؤسسات المحلية والدولية من إدخال المساعدات الإنسانية والطبية وإيصالها للمستشفيات.

 ورغم هذا الظروف وشحة الإمكانات تؤكد أسمهان أن المستشفى نجح في استقبال آلاف الحالات من بينها نحو 9 آلاف حالة إصابة بفيروس "حمى الضنك"، بجانب ضحايا الحرب من المدنيين؛ الأمر الذي تسبب في خلق ضغوطات كبيرة على الكادر الطبي؛ ومع نقص الكوادر الطبية وتزايد الحالات الوافدة إلى المستشفيات اضطر الكثير من الأطباء إلى تقليص ساعات راحتهم إلى الحد الأدنى، وهنا تشير الطبيبة أسمهان إلى اضطرارهم في أوقات كثيرة للنوم ساعات قليلة في المستشفيات دون الذهاب لمنازلهم والعودة إلى لعمل لأوقات تتجاوز مدة الدوام الرسمي رغم عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية التي أوقفها الحوثيون.

 ولا تتوقف الصعوبات على ذلك فحسب، بل هناك ضغوط أكثر شدة ألا وهي الضغوط الأسرية؛ فتشير أسمهان إلى أن أسرتها طلبت منها التوقف عن العمل بسبب الخطر سيما بعد تعرض مقر عملها في المستشفى للقصف أكثر من مرة، لكنها كانت دائما تصر على الاستمرار في أداء الواجب الوطني في هذه المرحلة الصعبة، فهي ترى أن استمرار عملها في هذه الظروف المكسب الحقيقي من عملها. مضيفة " مع إصراري على الاستمرار في تقديم الخدمة والعلاج للمدنيين لم تجد أسرتي خيارا سوى الاقتناع وتقبل الأمر".

المرأة التي قهرت الأوبئة

ومع استمرار الحرب وفرض الحصار على المدينة من الحوثيين، تعطلت الكثير من الخدمات حتى تلك المتعلقة بالنظافة، فلم يكتفوا بإيقاف رواتب العاملين في صندوق النظافة والتحسين - وجلهم من المتعاقدين بمبالغ بسيطة- وكذلك إيقاف إيرادات الصندوق، بل تجاوز الأمر إلى منع المسلحين الموالين للحوثيين الآليات التابعة لصندوق النظافة والتحسين من الدخول للمدينة؛ وهو ما أدى إلى انتشار وتكدس أكوام القمامة، وأمام هذا الوضع المزري المهدد بخلق كارثة بيئية في المدينة برزت جهود تقودها امرأة تسعى إلى حماية المدينة من الأمراض، ولم تقبل أن تقف مكتوفة اليدين أمام تلك المخاطر التي كانت تتربص بالأهالي، إنها المهندسة ارتفاع القباطي مسؤولة النظافة والتحسين في مركز المدينة، التي عمدت إلى تنفيذ حملات ترحيل ورفع مخلفات القمامة رغم شح الإمكانات التي كثيرا ما كانت تعرقل تلك الجهود؛ وتقول ارتفاع إنها في بداية الأمر كانت تقوم بحملات ترحيل المخلفات لتقلل من انتشار المخلفات، لكن توقف رواتب العمال وقلة الآليات في المدينة وشح المشتقات النفطية وعدم القدرة إلى الوصول لمكب القمامة الرئيسي الذي تذهب إليه الآليات لإفراغ القمامة - كانت كلها عوامل تعيق العمل، وكان تدخل الصليب الأحمر الدولي إنقاذا حقيقيا للمدينة من كارثة بيئية متوقعة؛ فقد تكفلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدفع رواتب عمال النظافة لمدة 6 أشهر انتهت في تموز/ يوليو الماضي، ودعت منظمة "يونيسف" أعمال النظافة جزئيا ووفرت معدات تابعة لشركة مقاولات ينتهي عملها مع نهاية العقد في أيلول/ سبتمبر المقبل.

وأضافت المهندسة ارتفاع "لقد أسهم تدخل الصليب الأحمر ويونسف بعد ذلك في مساعدتنا على استئناف عملنا وتقسيم العمال وترحيل المخلفات رغم قلة الآليات، ولم يقتصر عملنا على رفع مخلفات القمامة بل شمل حملات رش مبيدات لمكافحة البعوض من أجل الحد من تفشي مرض "حمى الضنك"، بالإضافة إلى شن حملات إعادة تشجير الشوارع الرئيسية للمدينة لإعادة الطابع الجمالي للشوارع التي دمرت الحرب جزءا كبيرا منها.

مبادرات إنسانية بقيادة النساء

أثناء فترة الحرب شهدت تعز ظهور عشرات المبادرات الإنسانية التي تقودها نساء وبفرق عمل نسوية، فمجموعة "إنسان" واحدة من تلك المبادرات التي كرست جهودها في الجانب الإنساني لمساعدة متضرري الحرب. وتقول هناء الحليلي رئيسة المجموعة إن مبادرتها عبارة عن مجموعة من النساء يجمعن مبالغ من أفراد المبادرة وفاعلي الخير، وعبر عمل أطباق خيرية للناس تُحول المبالغ إلى الأعمال الإنسانية تحديدًا. ووفقا للحليلي فان مبادرتها ستدشن نشاط الرسم على الجدران؛ وتسعى من خلال هذا النشاط إلى إزالة الملامح التي خلفتها الحرب بالقدر الممكن، منوهة بأن عشرات المبادرات النسوية أو التي تقودها المرأة في تعز خففت بشكل كبير من معاناة السكان، وبذلت جهدا كبيرا في عدد من الجوانب الصحية والإنسانية والمجتمعية.