زوجات الزعماء

تقول جيهان السادات، "زوجي ضحية السلام"، وتتذكر فرح بهلوي صرخات الإيرانيين،"كنا نسمع في القصر هتافاتهم المفعمة بالكراهية"، وزين العابدين بن علي اعترض على إطلاق النار على المتظاهرين، بحسب ليلى الطرابلسي، وتحية كاظم كانت تعد الأكل في المطبخ عندما عاد زوجها عن قراره بالتنحي.

حين تكون السير الذاتية للرؤساء العرب مكتوبة بأقلام زوجاتهم، لا يعود ممكنًا البحث عن الحقيقة في ثناياها، ويصير المأمول من هذه الكتب الاطلاع على انطباعات الزوجات الخاصة عن اليوم الأصعب في حكم أزواجهنّ، وهذا ما تكشفه سير أربع زوجات رؤساء، اثنان فارقا الحياة وهما لا يزالان في منصبهما، واثنان سقطا بفعل ثورتين شعبيتين.

"لقد قتل التهاون زوجي، لقد قتل الإهمال زوجي، إن حب أنور شخصيًا للقوات المسلحة واعتقاده بأن المتطرفين المسلمين لن يتغلغلوا فيها ساعد على قتل زوجي، وقفنا جميعًا لنراقب، هذا غير معقول"، كانت تلك كلمات أنور الأخيرة إلى حسني مبارك، حين جرى بعض أفراد جيشه نحوه وهم يحملون الرشاشات التي تمطر الموت، وفي الحال نظرت إلى أنور وكان واقفًا، مشيرًا إلى حراسه وكأنه يقول: "إذهبوا وأوقفوا هذا"، وكان هذا آخر ما رأيت من زوجي".

هذا مما قالته جيهان السادات في الفصل الأول "موت زوجي" من مذكراتها بعنوان "سيدة من مصر"، التي قدمت فيها صورة لتاريخ مصر منذ قيام ثورة 1952، حتى اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981، مرورًا بزيارة السادات التاريخية للقدس واتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979.

وتصف جيهان، السادات في مذكراتها تفاصيل حياة زوجها قبل الذهاب إلى المنصة لحضور عرض عسكري بمناسبة "انتصار أكتوبر"، في السادس من أكتوبر عام 1981، وتقول: "كان أنور في ذلك الصباح شديد العناية بأناقته، وقد أعدّ للعرض سترة جديدة تليق بالأهمية الكبرى لهذا اليوم الجديد، وقد كان ذلك نابعًا من اعتزازه الشديد بالجندية وزهوه بزي ضباط الجيش".

وتابعت جيهان: "كان السادات يشعر بأن موته بات قريبًا"، مضيفة: "دفن أنور في قبر على شكل هرم صغير، عبر ساحة العرض في مدينة نصر، حيث أطلق عليه الرصاص، كان هذا قراري وليس قراره"، مؤكدة أنها وزوجها كانا يتحدثان عن المكان الذي سيدفن فيه، "وخاصة في الأشهر الأخيرة، حيث شعر أن موته بات قريبًا"، وتنقل عنه أنه كان يريد أن يُدفن في ميت أبوالكوم، أو عند سفح جبل سيناء عند دير سانت كاترين، حيث سيبني جامعًا ومعبدًا يهوديًا، باعتبار أن دفنه هناك "سيقول للناس إن جميع الأديان واحدة وأن الله واحد لنا جميعًا".

وأوضحت جيهان: "كان الدفن هناك رمزًا خاصًا لأنور فقد كرس نفسه لاستعادة هذه الأرض التي استولت عليها إسرائيل في عهد عبدالناصر، ومن سخريات القدر أن نجاح زوجي في هذه المهمة بالطرق السلمية كان هو ما حكم عليه بالموت".

وتروي السيدة الأولى السابقة أسباب مقتل السادات من وجهة نظرها، وتقول: "أدى الصراع الديني إلى زيادة معارضة الأقلية لقيادة أنور وبسبب السلام الذي حققه مع إسرائيل اتهم بالخيانة من جانب الجماعات المتطرفة وبعض قادة الدول العربية، ومن أجل حلمه بأن يقيم التوافق بين معتنقي المسيحية واليهودية والإسلام، وصف أنور بالكفر، وبسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي تجاه الاستثمارات الأجنبية قيل إنه ألعوبة في يد الغرب".

وتشير جيهان إلى أنها اعتقدت في البداية، كما أشيع، أن زوجها فقط أصيب في يديه، لكنها بعد ذهابها إلى المستشفى علمت بوفاته وإصابته بثلاث طلقات، وتصف الجنازة الخالية من حضور أي زعيم عربي، فتقول: "سار موكب الجنازة الحزين وسار من خلفه المشيعون وقد صدمت وحزنت من عدم وجود أي زعيم عربي إلا الرئيس النميري رئيس السودان ورئيس الصومال سياد بري، اللذين جاءا ليقدما احترامها إلى أخ سقط".

وتعلق جيهان: "الإسلام يقول إن أي خلافات في هذه الحياة يصفيها الموت، إن واجب القادة العرب بصفتهم مسلمين كان تكريم وفاة واحد منهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك وسألت واحدًا من الزعماء العرب في ما بعد لماذا؟ فأجاب: لأن بيغن حضر الجنازة ولن أسير في جنازة يسير فيها رئيس وزراء إسرائيل، وكنت أعرف أن هذا كان مجرد عذر، إن غيابهم أصابني بجرح عظيم".

مذكرات فرح بهلوي
من ناحية أخرى، تصف فرح ديبا، في كتابها "مذكرات فرح بهلوي"، يوم ترك زوجها الشاه محمد رضا بهلوي وأسرته إيران، فتقول: "عندما أتذكر ذلك الصباح من يناير 1979 يعاودني نفس إحساس الحزن المؤلم بكل حدته، فكانت طهران تعاني هجومًا ضاريًا منذ أشهر، اليوم السادس عشر من الشهر ونحن على وشك مغادرة بلدنا. من الناحية السياسية كنا مسافرين لقضاء بضعة أسابيع للاستجمام وهو الانطباع الذي أراد الملك أن يتركه، لم أستطع تصديق أن هذا الرجل الذي خدم شعبه طيلة سبعة وثلاثين عامًا ربما لا يسترد ثقته قريبًا".

وأضافت بهلوي بأن زوجها لم يتمالك نفسه وسقطت دموعه في القصر حين توسله البعض للبقاء، متابعة: "رغم إعلان الأحكام العرفية، ينجح المتظاهرون كل ليلة في تحدي الجنود، ويتسلقون أسطح المنازل حتى صرنا نسمع ونحن في القصر، هتافاتهم المفعمة بالكراهية "الله أكبر والموت للشاه، وقاد زوجي الطائرة طوال الوقت الذي حلقنا فيه فوق إيران وبمجرد أن تجاوز مجالها الجوي، تخلى عن جهاز القيادة وانضم إلينا في المقصورة، وأصبحت حينها مدركة تمامًا للهاوية التي يدفعنا إليها التاريخ".

ولم تعترف بهلوي بأي خطأ ارتكبه زوجها وتعدد "إصلاحاته" السياسية والاقتصادية والثقافية، وتقول: "خلال نصف قرن تم إنجاز الكثير ومهندسًا هذا الانتعاش الهائل هما رضا شاه وزوجي، ولم تكن البلاد من قبل في مثل هذا الموقف المطمئن الذي كانت عليه عام 1974 ارتفع إنتاجنا من البترول الخام من 73 مليون طن في 1963 إلى 302 مليون طن، لتصبح إيران رابع أهم الدول المنتجة للبترول".

ولم تخل مذكرات بهلوي من تقديم الشكر لمصر التي استضافتها هي وزوجها، وتقول عن لحظة علمها بمقتل السادات: "جزء مني مات في نفس الوقت، جزء منا أيها السادات العظيم، أود أن أخبرك كم كنت رائعًا، أبًا لأطفالي وصديقًا لي، كنت قويًا مثل الجبل، وهادئًا مثل صفحة الماء، كانت عيناك مليئتين بحب الناس وتفهمهم، يا لها من خسارة لمصر والعالم ولنا، لقد لحقت بصديقك ونحن الآن أيتام للمرة الثانية".

"ذكريات معه"
بينما كتبت تحية عبدالناصر في مذكراتها "ذكريات معه" بلغة بسيطة لزوجة تقدر زوجها، وعن يوم قرار زوجها الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر التنحي عن الحكم بعد هزيمة 67، كتبت: "في يوم 9 حزيران/ يونيو ألقى الرئيس خطابًا، وكنت جالسة في الصالة كعادتي وقت إلقائه خطاباته أمام التلفزيون ومعي أولادنا، وسمعته وهو يعلن تنحيه عن الحكم، ورأيت الحزن على وجهه وهو يتكلم، ولم أكن أعرف أو عندي فكرة أبدًا عن التنحي، ولم تمض دقائق حتى علا صوت الجماهير حول البيت، وحضر الرئيس وصعد للدور الثاني ودخل حجرته وخلع بدلته ولبس البيجاما ورقد على السرير".
 
وأكدت تحية: "انسد الشارع وتعذر الدخول إلى البيت"، مضيفة: "كنت أدخل للرئيس في الحجرة وأخبره عمن يطلب مقابلته، وقد سمح لعدد قليل بالدخول إلى حجرته، ثلاثة أو أربعة وأراهم يخرجون من عنده وهم ينتحبون، ثم قام وارتدى البدلة ونزل إلى الدور الأول ومكث معهم لوقت قصير، وصعد إلى حجرته مرة أخرى وخلع البدلة وارتدى البيجاما ورقد في السرير وأخذ مهدئًا وقال: سأنام".

وتتذكّر تحية أنها نامت حتى الصباح وقامت "وأصوات الجماهير والهتافات لم تنقطع وتعلو بشكل لا أقدر أن أصفه"، وخرجت من الحجرة وظل جمال عبد الناصر راقدًا على السرير، وفي العادة كانا يتبادلان تحية الصباح ثم تتركه ليقرأ التقارير ويجري الاتصالات "حتى يطلب الإفطار ويطلبني لأجلس معه".

وواصلت تحية: "لكن في ليلة التنحي، لم أدخل الحجرة في هذا الصباح إذ كان يدخل عليه زوار فرادى، يمكثون وقتًا قصيرًا ويخرجون، وهو في حجرته لم يغادرها، ووقت الظهر وجدت الحديقة من الخلف ترص فيها الكراسي صفوفًا، ووجدت الإذاعة والتلفزيون تجهزان في الحديقة، ورأيت مذيعًا من الإذاعة وفريقًا من الأخبار في التلفزيون، ونظمت الكراسي ووضعت منضدة أمام الصفوف"، سألت: ما هذا؟ فقيل لي إن مجلس الأمة سيجتمع هنا، وكان ترتيب الكراسي والصفوف بشكل أدهشني وكأنها صالة مجلس الأمة في الهواء الطلق، فقلت في نفسي: لقد رأيت كثيرًا من المواقف والمفاجآت الغريبة في حياتي، وها هي تختتم بمجلس أمة في البيت".

وتتابع تحية: "تركت الفراندة (الشرفة)، وكنت أعد أكلًا خاصًا للرئيس فذهبت لإكماله، فدخلت ابنتي منى وقالت: يا ماما أنور السادات - وكان في منصب رئيس مجلس الأمة - يعلن في التلفزيون أن بابا رجع رئيسًا للجمهورية وأنت يا ماما هنا؟ فذهبت للصالة، كل هذا والرئيس في حجرته لم يخرج منها. دخلت الحجرة ووجدته راقدًا على السرير. ولم أقل شيئًا".

"هذه حقيقتي"

أما ليلى الطرابلسي اختارت أن تبدأ سرد مذكراتها بعنوان "هذه حقيقتي" بالفصل الأخير، آخر يوم في حكم زوجها زين العابدين بن علي، واللحظات الأخيرة لهم في تونس قبل أن تطوي الثورة التونسية صفحة حكمهما إلى الأبد، وتقول: "يوم 13 كانون الثاني/يناير، قرر بن علي أن يتوجه بخطاب إلى الشعب على أمل أن يعيد الهدوء، سأكتشف ذلك اليوم - مساء الخميس - ككل المشاهدين تصريحات الرئيس التي تدعو إلى المصالحة والتعقل والالتزام من الرئيس بعدم الترشح في انتخابات عام 2014، وأن يكرس التعددية الحزبية، ويحترم حكم صندوق الاقتراع وحرية التعبير".

وتضيف ليلى: "أعجبني خطاب الرئيس مثل العديد من المواطنين الذين خرجوا في مختلف الولايات معبرين عن فرحتهم به، وادعى البعض أن الزغاريد ومظاهر الفرح ما هي إلا مسرحية من تنظيم التجمع، وهذا غير صحيح فهؤلاء هم مواطنون من عامة الشعب خرجوا بتلقائية وعفوية، فالتجمع كان عاجزًا عن تنظيم أي شيء في تلك الليلة".

وتصف بن علي الثورة بالانقلاب المدبر في مذكراتها، وتعفي زوجها من مسؤولية الدم الذي سقط في سبيل المطالبة بالحرية، وتقول: "يكفي أن نستمع إلى آخر مكالمة للرئيس مع وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم قبل رحيله، بن علي قال بالحرف: شرطتك تطلق النار بسهولة، لقد سمعت بسقوط قتلى وهذا غير مقبول! فرد الوزير: أعوان الشرطة كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس، سيدي الرئيس ضع نفسك مكانهم، هاجموا مراكزهم وسرقوا أسلحتهم، وأرادوا قتلهم، هم مجبرون على الدفاع عن أنفسهم".

وكشفت بن علي أن وجهتهما إلى السعودية كانت محددة مسبقًا، وقالت في مذكراتها: "لم نستطع تصديق السيناريو الذي رسم لنا بعناية، فخلال عدة أيام كنّا نعتقد بأن الأمر يتعلق بتضليل من جهة ما، أو بفترة سيئة ستمر، وأننا سنعود من جديد إلى بلدنا".